ثمّن خطباء الجمعة خطاب حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الذي ألقاه خلال زيارته إلى المحرق، وأوضح عدد من الخطباء أمس الجمعة أن البحرين تشهد ارتياحاً منقطع النظير بخطاب عاهل البلاد المفدى في المحرق، كما إن الزيارة لاقت بترحيب خاص لعاهل البلاد.
طالب عدد من خطباء الجمعة بسحب الجنسية من المحرضين على زعزعة الأمن، مشيرين إلى أن حامل الهوية البحرينية مثلما له حقوق يطالب بها بكل كرامة وأسلوب حضاري وعبر قنوات رسمية، فإن عليه واجبات تجاه وطنه وقيادته ومجتمعه يجب عليه القيام بها بكل اقتدار. مؤكدين أن الأمن والأمان من أعظم النعم.
وبيّن خطباء الجمعة أن الطاعة المطلقة لله وحده والبشر طاعتهم مقيدة، مشيرين إلى أن طاعة ولي الأمر واجبة، كما شدد بعض الخطباء على أن الإسلام عنى ببناء الأسرة وصونها من أي سهام توجه لها، وتناولت إحدى الخطب أهمية التدبر في آيات القرآن، كما ركزت أخرى على أن الصحابة أفضل الخلق بعد الأنبياء لأنهم ربائب النبي.
ارتياح شعبي
وقال خطيب جامع شنوف البوفلاسة الشمالي الشيخ هشام الرميثي إن ''الشارع البحريني يشهد ارتياحاً شعبياً بالخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي ألقاه يوم الأربعاء في قلعة عراد، حيث أطلق اسم المحرق ''بأم المدن'' تأكيداً للدور الريادي لهذه المدينة المباركة التي انتصرت فيها إرادة الخير والحق، وهذا مصداق لقوله تعالى ''قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً''، مشيراً إلى أن البحرين وشعبها المبارك لن يكون إلا رمحاً في صدر أي شخص أو جهة تعبث بأمن البلد واستقراره، كما شكر جميع مجالس البحرين لتأكيدها المطلق للخطاب الأسمى لجلالة الملك ولجميع أبناء البحرين المخلصين، ''إننا معك ونحن أبناؤك يا أبا سلمان، سر بنا على بركة الله، ولك من السمع والطاعة وأن نقف سداً منيعاً ضد هذه الفئة الضالة، سائلين الله أن يحفظ البحرين وأهلها وكل المخلصين من أبناء هذا الوطن إنه سميع مجيب''.
من جهته، أكد خطيب مسجد خليفة بن موسى بالمحرق الشيخ عيسى صالح الحسن أن محافظة المحرق تكلمت بترحيب خاص وخالص لصاحب الجلالة الملك، إذ اهتزت ''المحرق شوقاً وطرباً للقياك يا أيها المليك المعظم، فقد خرج أهل المحرق لتقديم البيعة والولاء للقائد كما عرف عنهم في حبهم وبيعتهم وولائهم للقيادة صغيرهم وكبيرهم رجالهم ونساءهم، وكلهم قالوا مرحباً مرحباً بوسلمان يداً واحدة وقلباً واحداً وصوتاً واحداً.
وقال ''لا أحد يستطيع أن يصف لما قدم القائد بموكبه للمحرق وبالتحديد لقلعة عراد وإذا بالأهالي بصوت واحد ها هو القائد بوسلمان استقبلوه بالورد والريحان، وكان بودهم أن يحملوه بدل أن يمشي على الأرض، فشاطرهم الحب والولاء، فنعت المحرق بـ''أم المدن البحرينية''، لما لها من التاريخ العظيم والوفاء في حب الوطن والدفاع عنه بأرواحهم قبل أموالهم، نعم المحرق سد منيع لكل من تسول له نفسه بالعبث بالبحرين وأمنها ونشكر جلالته بما تكرم على أهل المحرق ونتمنى المزيد من فرص العمل للمحرقيين، وإكمال دراستهم وتوفير السكن بأسرع ما يمكن والمهم في هذه الزيارة هي أن المحرق دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ونشكر أبو الجميع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء لما له في المحرق من البصمات والأثر الكبير فجزاهم الله خيراً''.
سحب جنسية المحرضين
وفي موضوع آخر، دعا خطيب جامع العجلان بمنطقة عراد الشيخ د.ناجي العربي إلى سحب الجنسية البحرينية من كل من يقوم بالتحريض على زعزعة الأمن في البلاد من الخارج مؤكداً أن الفترة التي تمر بها البلاد محاطة بفتن من الداخل ومن الخارج فترة عصيبة، تستوجب من جميع فئات الشعب، وخاصة أصحاب العقول الرشيدة، اتخاذ كل الوسائل المتاحة لحفظ الاستقرار والأمن في البلاد، وأضاف بأن حامل الهوية البحرينية مثلما له حقوق يطالب بها بكل كرامة وأسلوب حضاري وعبر قنوات رسمية، فإن عليه واجبات تجاه وطنه وقيادته ومجتمعه يجب عليه القيام بها بكل اقتدار.
ودعا العربي الموالاة والمعارضة إلى أن تلتف حول مصلحة الوطن بعيداً عن المصالح الشخصية وأن تجعل تقوى الله نصب أعينها.
كما تطرق إلى الانتخابات ومعايير الانتخاب حيث أوضح أن الترشح أمانة ومسؤولية بين يدي الله تعالى، وأنه من يرى عدم الأهلية في نفسه فعليه أن لا يحمّل نفسه ما لا تطيق يوم القيامة، مبيناً أن المرشح الأقل كفاءة إذا تنازل للمرشح الأكفأ وضم أصواته إليه فإنه بذلك يكون قد دخل التاريخ من أشرف أبوابه، وحث الناخبين على اختيار المرشح الأفضل والذي يكون بعيداً عن الطمع في الجاه أو المال أو تغريه الأموال في سبيل تحقيق مآرب الآخرين.
ودعا العربي المرشحين الوقوف مع النفس والتنازل عن الترشح حال وجود من يرى أنه أحق بهذا المكان منه، مشدداً على ضرورة الاختيار المناسب لخدمة المملكة.
توجه د.العربي في خطبته بدعوة القيادة الحكيمة بالاستمرار والإكثار من تلمس حاجات الناس ولكن عبر أشخاص ثقات متخفين بين أفراد الشعب ينقلون الواقع كما هو من غير تزيين ولا تغيير، مشدداً على أن ذلك من الوسائل المفيدة في إيصال يد العون والمساعدة من القيادة إلى الناس.
نعمة الأمان
من جهته، قال خطيب جامع الظهراني بمدينة الحد الشيخ صلاح بوحسن إن من أعظم النعم التي أنعمها الله جل جلالة علينا نعمة الأمن والآمان فمن حقق التوحيد تحقق له الأمن والآمان لقولهِ تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، مشيراً إلى ما قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله في تفسيره: (أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا الْعِبَادَة لِلَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً هُمْ الْآمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة الْمُهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة).
وتطرق في الخطبة الثانية إلى وجوب التمسك بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة والتمسك بإجماع الأمة وأخذ العلم من أهل العلم الربانيين، وعدم الالتفات إلى الأقوال الشاذة التي يتطرق إليها بعض من يتصدر العلم فهؤلاء ضلوا وأضلوا وهم في حقيقتهم جهلة ضلال لا يفقهون حرفاً من كتاب الله ولا حرفاً من حديث النبي ''ص''.
وتطرق إلى وجوب الالتفاف حول ولي الأمر والسمع والطاعة له ولزوم جماعة المسلمين وعدم شق صفهم لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ).
ودعا البوحسن للتمسك بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الصحابة وآل البيت فهم حبل الله المتين، والالتفاف حول ولي الأمر والسمع والطاعة له في غير معصية الله. كما دعا الله بأن يحفظ البحرين من شر الأشرار وكيد الفجار وأن يحفظ إمام البلاد وولي أمر أهلها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى لقوة الدفاع وأن يُوفقهم لما يُحب ويرضى وأن يأخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى وأن يُسدد على الخير خُطاهم وأن ينفع بهم البلاد والعباد.
التدبر في القرآن
وتطرق خطيب جامع شيخان وشريفة الفارسي صالح عبدالكريم مساعد في خطبته إلى بيان أهمية تدبر القرآن الكريم، وأن المسلم ينال أثر القرآن وبركته من خلال تدبره والعمل والتفكر به. وتناول الأدلة من القرآن الكريم التي تحث على تدبر القرآن مشيراً إلى قول الله تعالى ''كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ'': في هذه الآية بين الله أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لا مجرد التلاوة على عظم أجرها.
وأورد حول فضل تدبر القرآن من السنة حديث أبي هريرة أن رسول الله ''ص'' قال ''ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده''، فالسكينة والرحمة والذكر مقابل التلاوة المقرونة بالدراسة والتدبر.
وذكر مساعد أمثلة من السنة وواقع الصحابة تدل على امتثال التدبر في واقعهم. فقد روى حذيفة -رضي الله عنه-: ''إنه صلى مع النبي ''ص'' ذات ليلة فكان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ''. فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ. وعن أبي ذر قال: صلى رسول الله ''ص'' ''ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)''
فهذا رسول الله ''ص'' يقدم التدبر على كثرة التلاوة، فيقرأ آية واحدة فقط في ليلة كاملة. وعن ابن مسعود قال: ''كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن'' فهكذا كان منهج النبي ''ص'' في تعليم الصحابة القرآن: تلازم العلم والمعنى والعمل؛ فلا علم جديداً إلا بعد فهم السابق والعمل به. وفي ختام خطبته دعا بأن يحفظ الله تعالى البلاد والعباد من الفتن، وأن يوفق ولي أمرها لكل خير، وأن يجعل هذه المملكة آمنة مطمئنة.
بناء الأسرة
أما خطيب جامع صلاح الدين بالرفاع الشرقي د.فيصل الغرير فقد تحدث عن بناء الأسرة مبيّناً أن الإسلام يعنى عناية عظمى ببناء الأسرة وصونها من أي سهامٍ توجه إليها، ذلكم أن الأسرة قاعدة المجتمع، ومدرسة الأجيال، وسبيل العفة وصون للشهوة، والطريق المشروع لإيجاد البنين والأحفاد، وانتشار الإنسان، فبالزواج المشروع تنشأ الأسرة الكريمة وتنشأ معها المودة والرحمة ويوفر السكن، إنها آية من آيات الله قال تعالى: ''ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة''.
ونبه إلى أن من هدي الإسلام في بناء الأسرة؛ الأمر بالعشرة بالمعروف ''وعاشروهن بالمعروف'' وخلاصة العشرة بالمعروف تطبيب الأقوال وتحسين الأفعال والهيئات حسب القدرة واستدامة البشر ومداعبة الأهل وتوسيع النفقة دون إسراف، فيؤثر عن بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ''إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي''.
ولفت إلى أن بناء الأسرة في الإسلام متين القواعد، عميق الجذور، لا ينبغي أن يهدم بالكره أحياناً، لربما في ما تكره النفوس خيراً كثيراً ''فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً''.
مؤكداً أن عقد الزوجية في الإسلام أكبر من النزوات العاطفية، وأجلّ من ضغط الميل الحيواني المسعور، ولا يليق أن يكون هذا الزوج مزاجياً ويتخلى عن زوجته لمجرد خلق كرهه منها، أو ناحية من نواحي الجمال افتقده فيها، معناه أن يجد أخلاقاً أخرى يرضاها إلى هذا يرشد الرسول ''ص'' وهو ينهى عن استدامة البغض الكلي للمرأة ويقول: ''لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها غلقاً رضي منها آخر'' والمعنى لا يبغضها كلياً فيحمله على فراقها بل يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره لما يحب.
وقال ''إذا كانت العشرة بالمعروف بين الزوجين من دعائم بناء الأسرة، فإن الإيمان بالله قمة المعروف، وعمل الصالحات سبيل الوفاق بين الزوجين، فالإيمان وعمل الصالحات يشعان في البيوت السكنية، وبهما تتحقق السعادة، ويتطلع بهما الزوجان إلى منازل الآخرة وتتوجه الهمم عندهما إلى رضوان الله والجنة.
وتابع ''من كل ما سبق فثمة دعامة أخرى لبناء الأسرة لتماسكها وضمان مسيرتها.. إنها الإصلاح حين نشوء الخلاف، ورأب الصدع قبل تصدع البنيان، وليس الناس معصومين، فكل بن آدم خطاء، ولو قدر لبيت أن يسلم من خلاف أو خطأ لسلم بيت رسول الله ''ص''، فلا يخلو بيت من مشكلة ولكن يسعى الزوجان والأهل والأحباب للصلح بين الزوجين ولم شمل الأولاد، وإن أفضل الصدقة إصلاح ذات البين.
طاعة الإنسان للإنسان
تحدث خطيب جامع أبي بكر الصديق الشيخ علي مطر عن حدود طاعة الإنسان لأخيه الإنسان، وتساءل هل هي طاعة مطلقة أم مقيدة، موضحاً أنه ما من شك أنها مقيدة بأن لا تكون في معصية وألا تترتب عليها مفسدة ومضرة شرعية، وأن تكون بالمعروف، لقوله ''ص'': ''إنما الطاعة بالمعروف''.
وبيّن أن الطاعة المطلقة والانقياد التام في التشريع والتحليل والتحريم وأحكام الدين، إنما هو لله وحده لا شريك له، وإذا صرفت الطاعة لغير الله تعالى كانت سبباً لخسارة الإنسان في الدارين، لأنه بذلك أوقع نفسه إما في الشرك، أو في ذنب أو كبيرة من الكبائر، وكانت سبباً أيضاً للنزاع والخلاف والشقاق بين الناس وانعدام الثقة بينهم، وسبباً للمشاكل في الأسرة والمجتمع ومؤسساته، وسبباً رئيساً لتدهور الأمم وهوانها وسقوطها.
وذكر الشيخ مطر لتوضيح المعنى المراد، حديثاً نبوياً، عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ ''رض'' قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ''ص'' وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:''يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، فَطَرَحْتُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ''اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ''. حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:''أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟''قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ''.
وقال ''فقوله ''ص'' فتلك عبادتهم، دليل على أن هذه الطاعة شرك بالله عز وجل، لأنها طاعة لغير الله تعالى في تحريم ما أحل الله، أو استحلال ما حرم الله سبحانه. إذ التحليل والتحريم إنما يأتي من الله تعالى ورسوله ''ص''، وليس ذلك لأي مخلوق كائناً من كان. وفي هذا المعنى قول الله تعالى في سورة آل عمران ''قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ...''. ومعنى اتخاذ أرباب من دون الله أن يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله مع علمنا بذلك. لأن من أطاع المخلوقين في معصية الخالق، فقد جعل هؤلاء المخلوقين في منزلة الربوبية والعياذ بالله''.
موضحاً ''ويدخل في ذلك أي طاعة في معصية الله، سواء كانت من الأبناء للآباء، والزوجة لزوجها، والموظف مع المسؤول، وطاعة رئيس الحزب أو التكتل السياسي أو الحقوقي، وهذا هو الحاصل اليوم وأن ترتب عليه معصية، أو إلحاق الضرر بالمجتمع وأمنه واستقراره. لهذا أكد النبي ''ص'' أنه: ''لا طاعة لبشر في معصية الله''. وقال ''ص'': ''لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق''. وذلك لمن يعلم بأنها معصية ومخالفة لأمر الله''.
مشيراً إلى أن القرآن نهى عن طاعة كل امرئ من دون الله، وإن كان أباً أو رئيس قبيلة، قال تعالى ''يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً''. أي: أطعنا واتبعنا السادة من الأشراف والرؤساء، والكبراء من الآباء والعلماء والمشيخة، وخالفنا أوامر الله تعالى وشريعته، وانحرفنا عن طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهديه وسنته. كما قال الله تعالى في سورة الفرقان: ''وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا''.
وبين أنه في مسألة طاعة الأبناء للآباء في الشرك ومعصية الله، فقد قال الله تعالى:''إِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً''. وهذه قاعدة عظيمة في التعامل مع الآباء، أولاً لا يجوز طاعتهم واتباعهم على الشرك والمعصية، كقول البعض: ''إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ''. وثانياً معاملتهم المعاملة الحسنة وصحبتهما بالمعروف والإحسان.
فضائل الصحابة
وتحدث خطيب جامع الجسرة الشيخ إبراهيم الغانم في خطبته عن فضائل الصحابة، وذكر أنهم أفضل الخلق، لأنهم جيل رباه النبي (ص) أحسن تربية، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، وقد تحقق فيهم ما لم يتحقق في غيرهم منذ بدء الخليقة، ولن يتحقق في غيرهم حتى قيام الساعة. لقد اجتمع فيهم من عوامل الخير ما لم يتجمع في جيل قبلهم، ولن يتجمع في جيل بعدهم.
وذكر أن القرآن وصفهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، أذلة على المؤمنين وأعزة على الكافرين، كما نوه القرآن بذكرهم في الكتب السماوية السابقة من توراة وإنجيل، كما إنه لم يكن الصحابة متساوين في الفضل والدرجة، بل كانوا يتفاضلون في السابقة والجهاد وكثرة البذل في سبيل الإسلام، وانتقد سب الصحابة، لأن الصحابة ورثة النبي، ورثوا عنه الكتاب والسنة علماً وفهماً، وعملاً وطريقة، فهم عدول وثقات، فقد عدلهم الله في كتابه ورضي عنهم وأرضاهم، فحبهم إيمان، وبغضهم وسبهم نفاق، والإعراض عنهم ضلال وهلاك، فيجب اتباعهم فيما جاءنا عنهم
طالب عدد من خطباء الجمعة بسحب الجنسية من المحرضين على زعزعة الأمن، مشيرين إلى أن حامل الهوية البحرينية مثلما له حقوق يطالب بها بكل كرامة وأسلوب حضاري وعبر قنوات رسمية، فإن عليه واجبات تجاه وطنه وقيادته ومجتمعه يجب عليه القيام بها بكل اقتدار. مؤكدين أن الأمن والأمان من أعظم النعم.
وبيّن خطباء الجمعة أن الطاعة المطلقة لله وحده والبشر طاعتهم مقيدة، مشيرين إلى أن طاعة ولي الأمر واجبة، كما شدد بعض الخطباء على أن الإسلام عنى ببناء الأسرة وصونها من أي سهام توجه لها، وتناولت إحدى الخطب أهمية التدبر في آيات القرآن، كما ركزت أخرى على أن الصحابة أفضل الخلق بعد الأنبياء لأنهم ربائب النبي.
ارتياح شعبي
وقال خطيب جامع شنوف البوفلاسة الشمالي الشيخ هشام الرميثي إن ''الشارع البحريني يشهد ارتياحاً شعبياً بالخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي ألقاه يوم الأربعاء في قلعة عراد، حيث أطلق اسم المحرق ''بأم المدن'' تأكيداً للدور الريادي لهذه المدينة المباركة التي انتصرت فيها إرادة الخير والحق، وهذا مصداق لقوله تعالى ''قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً''، مشيراً إلى أن البحرين وشعبها المبارك لن يكون إلا رمحاً في صدر أي شخص أو جهة تعبث بأمن البلد واستقراره، كما شكر جميع مجالس البحرين لتأكيدها المطلق للخطاب الأسمى لجلالة الملك ولجميع أبناء البحرين المخلصين، ''إننا معك ونحن أبناؤك يا أبا سلمان، سر بنا على بركة الله، ولك من السمع والطاعة وأن نقف سداً منيعاً ضد هذه الفئة الضالة، سائلين الله أن يحفظ البحرين وأهلها وكل المخلصين من أبناء هذا الوطن إنه سميع مجيب''.
من جهته، أكد خطيب مسجد خليفة بن موسى بالمحرق الشيخ عيسى صالح الحسن أن محافظة المحرق تكلمت بترحيب خاص وخالص لصاحب الجلالة الملك، إذ اهتزت ''المحرق شوقاً وطرباً للقياك يا أيها المليك المعظم، فقد خرج أهل المحرق لتقديم البيعة والولاء للقائد كما عرف عنهم في حبهم وبيعتهم وولائهم للقيادة صغيرهم وكبيرهم رجالهم ونساءهم، وكلهم قالوا مرحباً مرحباً بوسلمان يداً واحدة وقلباً واحداً وصوتاً واحداً.
وقال ''لا أحد يستطيع أن يصف لما قدم القائد بموكبه للمحرق وبالتحديد لقلعة عراد وإذا بالأهالي بصوت واحد ها هو القائد بوسلمان استقبلوه بالورد والريحان، وكان بودهم أن يحملوه بدل أن يمشي على الأرض، فشاطرهم الحب والولاء، فنعت المحرق بـ''أم المدن البحرينية''، لما لها من التاريخ العظيم والوفاء في حب الوطن والدفاع عنه بأرواحهم قبل أموالهم، نعم المحرق سد منيع لكل من تسول له نفسه بالعبث بالبحرين وأمنها ونشكر جلالته بما تكرم على أهل المحرق ونتمنى المزيد من فرص العمل للمحرقيين، وإكمال دراستهم وتوفير السكن بأسرع ما يمكن والمهم في هذه الزيارة هي أن المحرق دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ونشكر أبو الجميع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء لما له في المحرق من البصمات والأثر الكبير فجزاهم الله خيراً''.
سحب جنسية المحرضين
وفي موضوع آخر، دعا خطيب جامع العجلان بمنطقة عراد الشيخ د.ناجي العربي إلى سحب الجنسية البحرينية من كل من يقوم بالتحريض على زعزعة الأمن في البلاد من الخارج مؤكداً أن الفترة التي تمر بها البلاد محاطة بفتن من الداخل ومن الخارج فترة عصيبة، تستوجب من جميع فئات الشعب، وخاصة أصحاب العقول الرشيدة، اتخاذ كل الوسائل المتاحة لحفظ الاستقرار والأمن في البلاد، وأضاف بأن حامل الهوية البحرينية مثلما له حقوق يطالب بها بكل كرامة وأسلوب حضاري وعبر قنوات رسمية، فإن عليه واجبات تجاه وطنه وقيادته ومجتمعه يجب عليه القيام بها بكل اقتدار.
ودعا العربي الموالاة والمعارضة إلى أن تلتف حول مصلحة الوطن بعيداً عن المصالح الشخصية وأن تجعل تقوى الله نصب أعينها.
كما تطرق إلى الانتخابات ومعايير الانتخاب حيث أوضح أن الترشح أمانة ومسؤولية بين يدي الله تعالى، وأنه من يرى عدم الأهلية في نفسه فعليه أن لا يحمّل نفسه ما لا تطيق يوم القيامة، مبيناً أن المرشح الأقل كفاءة إذا تنازل للمرشح الأكفأ وضم أصواته إليه فإنه بذلك يكون قد دخل التاريخ من أشرف أبوابه، وحث الناخبين على اختيار المرشح الأفضل والذي يكون بعيداً عن الطمع في الجاه أو المال أو تغريه الأموال في سبيل تحقيق مآرب الآخرين.
ودعا العربي المرشحين الوقوف مع النفس والتنازل عن الترشح حال وجود من يرى أنه أحق بهذا المكان منه، مشدداً على ضرورة الاختيار المناسب لخدمة المملكة.
توجه د.العربي في خطبته بدعوة القيادة الحكيمة بالاستمرار والإكثار من تلمس حاجات الناس ولكن عبر أشخاص ثقات متخفين بين أفراد الشعب ينقلون الواقع كما هو من غير تزيين ولا تغيير، مشدداً على أن ذلك من الوسائل المفيدة في إيصال يد العون والمساعدة من القيادة إلى الناس.
نعمة الأمان
من جهته، قال خطيب جامع الظهراني بمدينة الحد الشيخ صلاح بوحسن إن من أعظم النعم التي أنعمها الله جل جلالة علينا نعمة الأمن والآمان فمن حقق التوحيد تحقق له الأمن والآمان لقولهِ تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، مشيراً إلى ما قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله في تفسيره: (أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا الْعِبَادَة لِلَّهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً هُمْ الْآمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة الْمُهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة).
وتطرق في الخطبة الثانية إلى وجوب التمسك بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة والتمسك بإجماع الأمة وأخذ العلم من أهل العلم الربانيين، وعدم الالتفات إلى الأقوال الشاذة التي يتطرق إليها بعض من يتصدر العلم فهؤلاء ضلوا وأضلوا وهم في حقيقتهم جهلة ضلال لا يفقهون حرفاً من كتاب الله ولا حرفاً من حديث النبي ''ص''.
وتطرق إلى وجوب الالتفاف حول ولي الأمر والسمع والطاعة له ولزوم جماعة المسلمين وعدم شق صفهم لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ).
ودعا البوحسن للتمسك بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الصحابة وآل البيت فهم حبل الله المتين، والالتفاف حول ولي الأمر والسمع والطاعة له في غير معصية الله. كما دعا الله بأن يحفظ البحرين من شر الأشرار وكيد الفجار وأن يحفظ إمام البلاد وولي أمر أهلها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى لقوة الدفاع وأن يُوفقهم لما يُحب ويرضى وأن يأخذ بنواصيهم إلى البر والتقوى وأن يُسدد على الخير خُطاهم وأن ينفع بهم البلاد والعباد.
التدبر في القرآن
وتطرق خطيب جامع شيخان وشريفة الفارسي صالح عبدالكريم مساعد في خطبته إلى بيان أهمية تدبر القرآن الكريم، وأن المسلم ينال أثر القرآن وبركته من خلال تدبره والعمل والتفكر به. وتناول الأدلة من القرآن الكريم التي تحث على تدبر القرآن مشيراً إلى قول الله تعالى ''كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ'': في هذه الآية بين الله أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لا مجرد التلاوة على عظم أجرها.
وأورد حول فضل تدبر القرآن من السنة حديث أبي هريرة أن رسول الله ''ص'' قال ''ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده''، فالسكينة والرحمة والذكر مقابل التلاوة المقرونة بالدراسة والتدبر.
وذكر مساعد أمثلة من السنة وواقع الصحابة تدل على امتثال التدبر في واقعهم. فقد روى حذيفة -رضي الله عنه-: ''إنه صلى مع النبي ''ص'' ذات ليلة فكان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ''. فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ. وعن أبي ذر قال: صلى رسول الله ''ص'' ''ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)''
فهذا رسول الله ''ص'' يقدم التدبر على كثرة التلاوة، فيقرأ آية واحدة فقط في ليلة كاملة. وعن ابن مسعود قال: ''كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن'' فهكذا كان منهج النبي ''ص'' في تعليم الصحابة القرآن: تلازم العلم والمعنى والعمل؛ فلا علم جديداً إلا بعد فهم السابق والعمل به. وفي ختام خطبته دعا بأن يحفظ الله تعالى البلاد والعباد من الفتن، وأن يوفق ولي أمرها لكل خير، وأن يجعل هذه المملكة آمنة مطمئنة.
بناء الأسرة
أما خطيب جامع صلاح الدين بالرفاع الشرقي د.فيصل الغرير فقد تحدث عن بناء الأسرة مبيّناً أن الإسلام يعنى عناية عظمى ببناء الأسرة وصونها من أي سهامٍ توجه إليها، ذلكم أن الأسرة قاعدة المجتمع، ومدرسة الأجيال، وسبيل العفة وصون للشهوة، والطريق المشروع لإيجاد البنين والأحفاد، وانتشار الإنسان، فبالزواج المشروع تنشأ الأسرة الكريمة وتنشأ معها المودة والرحمة ويوفر السكن، إنها آية من آيات الله قال تعالى: ''ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة''.
ونبه إلى أن من هدي الإسلام في بناء الأسرة؛ الأمر بالعشرة بالمعروف ''وعاشروهن بالمعروف'' وخلاصة العشرة بالمعروف تطبيب الأقوال وتحسين الأفعال والهيئات حسب القدرة واستدامة البشر ومداعبة الأهل وتوسيع النفقة دون إسراف، فيؤثر عن بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ''إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي''.
ولفت إلى أن بناء الأسرة في الإسلام متين القواعد، عميق الجذور، لا ينبغي أن يهدم بالكره أحياناً، لربما في ما تكره النفوس خيراً كثيراً ''فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً''.
مؤكداً أن عقد الزوجية في الإسلام أكبر من النزوات العاطفية، وأجلّ من ضغط الميل الحيواني المسعور، ولا يليق أن يكون هذا الزوج مزاجياً ويتخلى عن زوجته لمجرد خلق كرهه منها، أو ناحية من نواحي الجمال افتقده فيها، معناه أن يجد أخلاقاً أخرى يرضاها إلى هذا يرشد الرسول ''ص'' وهو ينهى عن استدامة البغض الكلي للمرأة ويقول: ''لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها غلقاً رضي منها آخر'' والمعنى لا يبغضها كلياً فيحمله على فراقها بل يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره لما يحب.
وقال ''إذا كانت العشرة بالمعروف بين الزوجين من دعائم بناء الأسرة، فإن الإيمان بالله قمة المعروف، وعمل الصالحات سبيل الوفاق بين الزوجين، فالإيمان وعمل الصالحات يشعان في البيوت السكنية، وبهما تتحقق السعادة، ويتطلع بهما الزوجان إلى منازل الآخرة وتتوجه الهمم عندهما إلى رضوان الله والجنة.
وتابع ''من كل ما سبق فثمة دعامة أخرى لبناء الأسرة لتماسكها وضمان مسيرتها.. إنها الإصلاح حين نشوء الخلاف، ورأب الصدع قبل تصدع البنيان، وليس الناس معصومين، فكل بن آدم خطاء، ولو قدر لبيت أن يسلم من خلاف أو خطأ لسلم بيت رسول الله ''ص''، فلا يخلو بيت من مشكلة ولكن يسعى الزوجان والأهل والأحباب للصلح بين الزوجين ولم شمل الأولاد، وإن أفضل الصدقة إصلاح ذات البين.
طاعة الإنسان للإنسان
تحدث خطيب جامع أبي بكر الصديق الشيخ علي مطر عن حدود طاعة الإنسان لأخيه الإنسان، وتساءل هل هي طاعة مطلقة أم مقيدة، موضحاً أنه ما من شك أنها مقيدة بأن لا تكون في معصية وألا تترتب عليها مفسدة ومضرة شرعية، وأن تكون بالمعروف، لقوله ''ص'': ''إنما الطاعة بالمعروف''.
وبيّن أن الطاعة المطلقة والانقياد التام في التشريع والتحليل والتحريم وأحكام الدين، إنما هو لله وحده لا شريك له، وإذا صرفت الطاعة لغير الله تعالى كانت سبباً لخسارة الإنسان في الدارين، لأنه بذلك أوقع نفسه إما في الشرك، أو في ذنب أو كبيرة من الكبائر، وكانت سبباً أيضاً للنزاع والخلاف والشقاق بين الناس وانعدام الثقة بينهم، وسبباً للمشاكل في الأسرة والمجتمع ومؤسساته، وسبباً رئيساً لتدهور الأمم وهوانها وسقوطها.
وذكر الشيخ مطر لتوضيح المعنى المراد، حديثاً نبوياً، عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ ''رض'' قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ''ص'' وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:''يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، فَطَرَحْتُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ''اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ''. حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:''أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟''قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ''.
وقال ''فقوله ''ص'' فتلك عبادتهم، دليل على أن هذه الطاعة شرك بالله عز وجل، لأنها طاعة لغير الله تعالى في تحريم ما أحل الله، أو استحلال ما حرم الله سبحانه. إذ التحليل والتحريم إنما يأتي من الله تعالى ورسوله ''ص''، وليس ذلك لأي مخلوق كائناً من كان. وفي هذا المعنى قول الله تعالى في سورة آل عمران ''قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ...''. ومعنى اتخاذ أرباب من دون الله أن يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله مع علمنا بذلك. لأن من أطاع المخلوقين في معصية الخالق، فقد جعل هؤلاء المخلوقين في منزلة الربوبية والعياذ بالله''.
موضحاً ''ويدخل في ذلك أي طاعة في معصية الله، سواء كانت من الأبناء للآباء، والزوجة لزوجها، والموظف مع المسؤول، وطاعة رئيس الحزب أو التكتل السياسي أو الحقوقي، وهذا هو الحاصل اليوم وأن ترتب عليه معصية، أو إلحاق الضرر بالمجتمع وأمنه واستقراره. لهذا أكد النبي ''ص'' أنه: ''لا طاعة لبشر في معصية الله''. وقال ''ص'': ''لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق''. وذلك لمن يعلم بأنها معصية ومخالفة لأمر الله''.
مشيراً إلى أن القرآن نهى عن طاعة كل امرئ من دون الله، وإن كان أباً أو رئيس قبيلة، قال تعالى ''يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً''. أي: أطعنا واتبعنا السادة من الأشراف والرؤساء، والكبراء من الآباء والعلماء والمشيخة، وخالفنا أوامر الله تعالى وشريعته، وانحرفنا عن طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهديه وسنته. كما قال الله تعالى في سورة الفرقان: ''وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا''.
وبين أنه في مسألة طاعة الأبناء للآباء في الشرك ومعصية الله، فقد قال الله تعالى:''إِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً''. وهذه قاعدة عظيمة في التعامل مع الآباء، أولاً لا يجوز طاعتهم واتباعهم على الشرك والمعصية، كقول البعض: ''إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ''. وثانياً معاملتهم المعاملة الحسنة وصحبتهما بالمعروف والإحسان.
فضائل الصحابة
وتحدث خطيب جامع الجسرة الشيخ إبراهيم الغانم في خطبته عن فضائل الصحابة، وذكر أنهم أفضل الخلق، لأنهم جيل رباه النبي (ص) أحسن تربية، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، وقد تحقق فيهم ما لم يتحقق في غيرهم منذ بدء الخليقة، ولن يتحقق في غيرهم حتى قيام الساعة. لقد اجتمع فيهم من عوامل الخير ما لم يتجمع في جيل قبلهم، ولن يتجمع في جيل بعدهم.
وذكر أن القرآن وصفهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، أذلة على المؤمنين وأعزة على الكافرين، كما نوه القرآن بذكرهم في الكتب السماوية السابقة من توراة وإنجيل، كما إنه لم يكن الصحابة متساوين في الفضل والدرجة، بل كانوا يتفاضلون في السابقة والجهاد وكثرة البذل في سبيل الإسلام، وانتقد سب الصحابة، لأن الصحابة ورثة النبي، ورثوا عنه الكتاب والسنة علماً وفهماً، وعملاً وطريقة، فهم عدول وثقات، فقد عدلهم الله في كتابه ورضي عنهم وأرضاهم، فحبهم إيمان، وبغضهم وسبهم نفاق، والإعراض عنهم ضلال وهلاك، فيجب اتباعهم فيما جاءنا عنهم
