كتب - أبوذر حسين: يسري نقاش هذه الأيام بين البحرينيين عن الأهداف التي تتوخاها بريطانيا من الدور الذي تلعبه فيما يخص الشأن الداخلي البحريني، والذي يظهر في إيوائها عدداً من الذين باتوا بعرف الدولة البحرينية خارجين على القانون وداعمين ومحرضين على العنف، أو على الأقل متهمين بذلك، ويدعم هذا السلوك فرد مساحات واسعة من البث الإعلامي بقناة وإذاعة بي.بي.سي المعروفة بدعمها القوي الخفي للسياسة الخارجية البريطانية. وعبر كثير من البحرينيين في وسائل إعلام مختلفة عن قلقهم من الاهتمام ''المبالغ'' فيه والذي تتبعه البي بي سي حيال الشأن البحريني، و''انحيازها'' الواضح لأشخاص يجهرون إعلامياً بتحدي القانون ومنطق الدولة ويفخرون باتباع العنف وسيلة للتعبير. وتذهب تحليلات بعض البحرينيين لدوافع هذا الاتجاه البريطاني بالعودة إلى الحقبة التي طردت فيها البحرين مستشارين بريطانيين سيئي السمعة من أجهزتها الأمنية، فيما يرجعها آخرون إلى السياسة الخارجية لبريطانيا القائمة على إبقاء مناطق نفوذها الإمبراطوري القديم تحت عبء الخلافات المناطقية والحدودية والطائفية عبر سياسة احتواء ''من يدعون بأنهم معارضين'' لمنطق الدولة في بلدانهم والمتمسكين بثقافة التغير الراديكالي القائم على نشر شعارات ذات علاقة باللاهوت ونظرة الفكر ذات البعد الواحد تحت ستار إنساني وحماية الأفكار المقدسة وحرية الرأي والتعبير، أياً كان حجم التمثيل الشعبي لهؤلاء وأياً كانت قيمهم الفكرية والأخلاقية. فما الدوافع البريطانية وراء هذا السلوك فيما يخص الحالة البحرينية؟ وهل تقع تحت بريطانيا فعلاً في علاقاتها مع دولة كالبحرين تحت مطرقة حماية الإطار المقدس لحرية التعبير وسندان الحفاظ على علاقاتها الطيبة مع المملكة؟ أم أن وراء ذلك الكثير من المغازي والنوايا. قبل يومين فقط استفز أحد ممثلي البي بي سي العربية عضوة الكنيست الإسرائيلي من عرب 48 حنين الزعبي فصرخت في وجهة ''لا تقل لي تحدثي بموضوعية وأنت تنحاز بشكل مطلق لضيفك الإسرائيلي''. فهل يغطي ما تحاول البي بي سي إظهاره من ''توازن'' على أهدافها النهائية الموجهة؟ وهل مازالت القناة قادرة على الترويج للسياسة الخارجية البريطانية في نوع من حقن الرصاصة تحت الجلد وإيصال رسائل تستقر في اللاوعي فيما تبهر الوعي بـ''حيادية'' و''موضوعية'' تدعيها؟ الإرهاب.. سواء تتلخص أسئلة البحرين عن موقف بريطانيا في أنه إذا كان الإرهاب يستمد حبره من مستنقع واحد، وأن الذي يضرب ويروع الآمنين بالزجاجات الحارقة ويحرق الإطارات، هو سلوك فلول القاعدة نفسه، فعلام العجب، إن طالبت مملكة البحرين دول العالم، بمساعدتها على إدانة مروجي فكر العنف المرفوضة في بريطانيا نفسها؟ وبالمقابل، إذا كانت عدد من الجهات الرسمية والتشريعية والشعبية البريطانية، استنكرت بشدةً سياسات احتواء ''الإرهابيين'' و''أصحاب الفكر الضال'' و''المخربين'' من كل دول العالم في أراضيها، فليس من المستغرب أن يستنكر الشعب البحريني على بريطانيا أنها هيأت السبل وسهلت الإقامة الكريمة من باب حرية الرأي والتعبير، لأفراد مارقين عن الإجماع الوطني على المشاركة في العملة السياسية، وتدعي علناً إحداث الفوضى، والعنف. »بي بي سي«.. محاولات يائسة لأن بريطانيا بلد الحرية والتعبير والرأي النير، فقد حظي بناء على ذلك أصحاب الفكر الإرهابي، بعناية واهتمام كبيرين، وفتحت لهم شبكة ''بي بي سي'' بشقيها المرئي والمسموع، أثيرها في محاولة لإرضاء الرأي العام، وحرية التعبير، غير أنها محاولة لم تنجح كثيراً في إقناع بأنهم يعبرون عن فكر شعبي واسع الانتشار بل أنه يرون أنه سياسية الاحتواء الإعلامية، التي تنتهجها البي بي سي انقلبت على البريطانيين، في أن قللت من شأن السمعة التي كانت تتميز بها الشبكة ليس في البحرين فقط، بل في كل دول الخليج العربي، باعتبار أن المخططات التي تطبخ في بريطانيا بعلمها أو من وتعكسها تلك الشبكة الإعلامية تستهدف أمن واستقرار كل دول مجلس التعاون. ويعتبر كثيرون أن السياسة الإعلامية التي تتبعها لندن، تأتي من فئات ضغط تريد بالمملكة المتحدة أن تتجه إلى سياسات محددة تجاه تلك الدول. وما بين هذه وتلك تتذرع الأجهزة الرسمية البريطانية بأن هذه مبادئ لتأكيد حرية الرأي والتعبير. بالرغم من أن تلك السياسة ضاقت بها سلطات الأمن البريطانية صراحة وأعلنت تجاهها المحاذير، وكشفت عن سوء نهجها على المملكة المتحدة وأصدقائها. العلاقة البحرينية البريطانية بريطانيا بلد له أمجاد عظيمة في دحر النازية فكرياً، من خلال تنوير الأوروبيين بالشر المستطير، وخطورة الفكر العنصري النازي. وهي ذات فتوحات علمية كبيرة، منذ بداية الثورة البرجوازية. ولا يمكن لأحد أن يتصور بسهولة وأد العلاقة المميزة، التي تربط مملكة البحرين بالمملكة المتحدة -لأنها أكبر من أفراد محسوبين على أنفسهم- فالعلاقة القديمة بين المملكتين، مبنية على أسس المصالح المشتركة والتعاون في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، فضلاً عن أن تاريخ المملكة المتحدة حافل بكثير من الإنجازات وفي كافة المجالات، ولا مزايدة عليه. غير أن كثيرين، وبينهم بريطانيون، يخشون أن تغرق ديمقراطية بريطانيا ونفسها في المستنقع الذي تسير فيه من خلال فتح الأبواب على مصراعيها لاستضافة أفراد، دأبوا على إشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد المتعايش بكل ألوان طيفه، وأن تنسجم الدبلوماسية البريطانية مع تحذيرات شرطة لندن -على أقل تقدير- تجاه خطر رعاية أصحاب الفكر الإرهابي، وعلى علاقاتها مع الدول العربية عامة، ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة، إذ إن الذين يمولون الإرهاب من الأراضي البريطانية ويحتمون بقوانين السلطات البريطانية، ما فتئوا يغررون بصغار السن وأصحاب القلوب المريضة، ويوجدون لهم الفتاوى اللازمة لتبرير قتل النفس من خلال العمليات الانتحارية والتخريب وأعمال العنف والترويع. تململ الأمن البريطاني استسهلت لندن -في غفلة منها- احتواء واحتضان المحرضين والإرهابيين، تحت ذريعة ما يسمى حماية الإطار المقدس لـ''حرية الرأي والتعبير''، غير أن تلك الحجج شيدت جسراً سميكاً أمام سلطات الأمن البريطانية لممارسة أدوارها في اجتثاث من يعملون للفساد والتخريب والتحريض وجعل الإرهاب هو القاعدة، وما دونه استثناء. ولم تصمد تلك الشعارات في وجه من زفروا سمومهم من خلال الهجمات الإرهابية، التي ضربت محطة النقل المشترك بلندن في يوليو 2005 والتي راح ضحيتها 56 شخصاً. ولما كانت سياسة احتواء الإرهابيين والمخربين لا تحظى بإجماع فإن رئيس العمليات المتخصصة بشرطة لندن جون ييتس حذر مؤخراً ''من أن التوازن بين الدفاع عن الحريات المدنية والأمن القومي يواجه خطر الاختلال وقد يضر بجهود منع وقوع هجمات في المستقبل''. وما فتئت وزارة الداخلية ترفع درجات التعرض لهجوم إرهابي من ''كبيرة'' إلى ''خطرة'' ما يعني أن الاعتداء الإرهابي قد يكون مرجحاً جداً. وقال ييتس كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب في بريطانيا ''المرء لا يتساءل متى نشكك فيما إذا كنا نحقق هذا التوازن على نحو صحيح''. وطبقت بريطانيا عدداً من الإجراءات الأمنية للتصدي لتهديد القاعدة والمتشددين الإسلاميين منذ 11 سبتمبر 2001 لكن ناشطي الحقوق المدنية يقولون إن الكثير منها شديد القسوة وينتهك حريات الأفراد. وقال ييتس إن التدقيق المتنامي في أنشطة الشرطة من جانب جماعات تتراوح بين لجان برلمانية وتحقيقات علنية يمثل خطراً على ''التعامل مع الماضي بدلاً من التصدي للتهديد القادم''. فيما عكست تحذيرات جوناثان ايفانز رئيس وكالة ''أم أي ''5 وهي جهاز مكافحة التجسس، من أن زيادة التأكيد على الحقوق المدنية ''حرية الرأي والتعبير التي تنطلق من المملكة المتحدة'' سيؤثر على عمل وكالته. ووثق الكتاب الحديث لمارك كرتيس الذي صدر في نهاية يوليو الماضي عن تعاون بريطانيا مع الجماعات المتشددة والإرهابيين بموجب مبدأ ''فرق تسد'' في عدد من دول آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبلقان وإندونيسيا. واستند كتاب مارك إلى ما أسماها ''وثائق رسمية بريطانية رفعت عنها السرية مؤخراً''، تثبت الدعم البريطاني عقب الحرب العالمية الثانية لبعض المتشددين والمارقين والمخربين من عدة دول إسلامية وعربية. وليس ببعيد عن الأذهان ما تركته حقبة الاستعمار البريطاني من مشاكل في مستعمراتها مازالت تتقد جذوتها حتى اليوم حول الحدود في الهند وباكستان والعراق والكويت ومصر والسودان، إضافةً إلى الهم الأكبر الذي جثم على أفئدتنا جراء ما خلفته اتفاقية سايكس بيكو من توطين اليهود في الأراضي العربية، وما خلقته في لواء إسكندرون بين سوريا وتركيا. موقف »الخارجية البحرينية« عندما تعرضت السفارة البريطانية في المنامة لقنبلة صوتية رميت على مبناها، شدد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، على أن سلطات مملكة البحرين لن تتهاون ''بأي حال من الأحوال'' مع المعتدين، مؤكداً التزام المملكة البحرينية بأمن وحماية البعثات الأجنبية وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام .1961 جاء الموقف البحريني القوي الملتزم صارماً، ليس فيه لبس، لم تطلب الخارجية البحرينية أدلة لكي تشدد على مرتكبي الفعل المخل بالقوانين والأعراف الدبلوماسية الدولية، وإنما تصدرت الوعيد على من أراد زعزعة استقرار هيئة دبلوماسية خارجية في أراضيها. وبالرغم من أن الحادثة جاءت في أعقاب الحملة الكبيرة التي قادها نواب وفعاليات سياسية وشعبية بحرينية ضد السفير البريطاني لدى مملكة البحرين جيمي بودن، ووصلت حد المطالبة بطرده من العاصمة البحرينية، بعد اتهامه بما أسموه بـ''التدخلات في الشأن البحريني الداخلي وتحريضها لجمعية سياسية بحرينية ضد الحكومة''، من خلال لقائه سراً، جمعية الوفاق الوطني الإسلامي. البحرين تلغي دور »المتلقي« تجسد مقولة ''إنك لا تستطيع أن تفهم الإعلام البريطاني، ما لم تفهم الرأسمالية البريطانية'' المنطلق الأساس لوسائل الإعلام في بريطانيا. ويبدو مضمون هذه المقولة جلياً في الشركات التي تحتكر الشركات الإعلامية الكبرى التي تمتلك وسائل الإعلام من صحف ومجلات ومحطات تلفزيونية وإذاعية، فضلاً عن شبكات الأنباء المختلفة. أفراد محددون يمتلكون عصب الإعلام في بريطانيا ويمتلكون فرض سياسة أكبر الشركات والشبكات الإعلامية فيها. وشبكة ''بي بي سي'' واحدة من تلك الشركات، لها سياسات مبنية في ظاهرها على الحياد وعدم الانحياز، غير أنها لم تستطع طوال تاريخها، أن تتحلل من ضغوطات أصحاب رؤوس الأموال من جهة أخرى، الأمر الذي جعلها أداة طيعة ووسيلة قوية لمساندة كل السياسات الخارجية لبريطانيا، ودعم التوجهات والاستراتيجيات في المنطقة العربية والخليجية من ناحية أخرى. وتعمل الشبكة في تلك المخططات بصورة مهنية عالية، غير أن تكرارها الممل، أظهر ما خفي من أمر سياساتها، وجعلها مفضوحة لدى المشاهدين والمستمعين في كل بقاع العالم، حيث أصبح كل صاحب ثقافة متوسطة يعي الأدوار الكبيرة والترديد السطحي، الذي تمارسه الشبكة. وقد اختيرت مملكة البحرين بعناية تامة وخطة دقيقة لتكون أسوة بكثير من دول العالم الثالث في ظل أولويات ''بي بي سي'' من خلال المساحة الواسعة التي تمنحها للخارجين وممولي الإرهاب والمحرضين على أمنها وسلامة استقرارها. غير أن مملكة البحرين بكل أجهزتها الرسمية وفعالياتها الشعبية أصبحت تعي تماماً المخططات الإعلامية المساندة، وأبعادها المختلفة. ولم تعد تمارس دور المتلقي وحسب.
